إن هذه الدار التي نحيا ونعيش فيها ليست دار قرار، بل هي دار زوالوارتحال، كثيرة آلامها، عديدة همومها وغمومها، فأسباب الضجر والكدر والضيقوالقلق في هذه الدنيا كثيرة متنوعة، قال الله –تعالى-: {لَقَدْ خَلَقْنَاالْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد : 4]، أي: معاناة وشدة ومشقة.
والناظر في أحوال الناس يرى صدق هذا في واقعهم ومعاشهم، فالدنيا مجبولة على الأكدار والشدائد:
جُبِلت على كدر وأنت تريدها صفوًا من الأقذار والأكدار
وإنما يتمايز الناس ويفترقون في التعامل مع هذه الحقيقة والتخلص من أسباب الضيق والكدر.
ورغم ما نعيشه في هذا العصر من وسائل الراحة وأسباب رغد العيش وهنائه إلاأن معدَّل الضجر والقلق في ازدياد وعلو، وهذا يوجب على كل من رغب فيالسعادة أن يبحث عن أسبابها الحقيقية التي يحصل بها سكون الفؤاد، وصلاحالبال، واستقامة الحال، وزوال الضجر والقلق.
وإن أعظم الأسباب التي تحصل بها طمأنينة النفس وتحمل مشاق هذه الحياة:
o الإيمان الصادق والعمل الصالح، قال الله –تعالى-: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًامِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةًطَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوايَعْمَلُونَ} [النحل: 97].
o أن يوطِّن نفسه على ملاقاة ما يكره؛ فإن ذلك يهونه عليه، ويزيل عنهشدته، ويعين الإنسان على الخروج مما حلَّ به ونزل، أما إذا كان الإنسانمقدرًا في كل أموره أكمل الأحوال وأحسن النتائج؛ فإن ذلك يوقعه في كثير منالأزمات والضوائق .
o أن يتخلَّى الإنسان عن الأوهام والخيالات، فإن الاستسلام للأوهاموالخيالات من أعظم المنغصات. ومن أبرز هذه الخيالات التي يعاني منها كثيرمن الناس التخوف من المستقبل والمجهول والاشتغال بذلك عن معالجة الواقعوالحاضر، فيخسر بذلك إصلاح يومه بسبب هم يوم لم يدركه، بل قد لا يدركه قالالله -تعالى-: {فَأَوْلَى لَهُمْ*طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَاعَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ}[محمد:20- 21]، فإياكم أيها الإخوة والاستسلام للأوهام والخيالات بل ثقوابالله تعالى واركنوا إليه: {وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُممُّؤْمِنِينَ} [المائدة: 23].
o أن لا يعطي المشكلة أكبر من حجمها، فإن ذلك يخلق القلق والاضطراب، وهذا سبب لتشتت أفكاره وغرقه في مشكلات متعاقبة لا مخرج له منها.
o أن يستشعر المرء أن الشدة والضيق مهما طالا فهما إلى زوال فدوام الحالمن المحال ؛ وهذا الشعور يفتح له أبواب الأمل ويعينه على الصبر ؛ وبالصبريتخطى المرء الصعاب (فما أعطي أحد عطاء خيرًا ولا أوسع من الصبر).
o كثرة ذكر الله –تعالى-.